ثورتى

ثورتى
أرجوك لا تهجرني يا شعري فالحزن قابع فى الذات لهجرة الكلمات من قلمي وذاكرتي فضاءات لا تبالي و القصيدة تائهة عطشى لقطرة ماء تكتبها , و قواميس مفردات تحولها معاني.  لم تعد الفراشة ترقص على صفحتي البيضاء ما عادت سمائي تمطر فرحا˝ و تنتشى بك .
 كسلي يهزمني . يربكني هذا الزيف الحولي . لم تعد الأحلام تصاحبني . صاخبة أصوات الواقع و كأني من جيل يشك فى تعيين التواجد . بدونك يا شعري أنا مطموسة المعالم فلا أنا أنا . و أنا هنا يشوبني البين بين و التيه يصعق ثقتي . أرض الورقة ملئ بالشجن الصامت ما عدت أحب التواصل .
 أسير وحدي بدونك فى شوارع غربتي تتلقفني حارات الشجن . أتعطش إلى شجر الأمنيات و ضحكات الصحبة وبسمات اللقاء و المواعيد . يسحبني الانتظار و كأنها لمسات أنامل تقشعر بدني و تأمر روحي بالاستغراق فى مدي التواريخ أجدني مسحورة بالبحث عنك . ما الذي يعتريني ولماذا يحتويني هذا الخواء .
 المشاهدة فقط بحكم تكرار الحدث أين صولجان إرادتي وقفزات تمردي وآرائي و مشاركتي و آمالي العريضة بعرض البحر بل أين البحر و أين ذهب دون أن يخبرني بضآلة الحياة بدونه و كأنما يتوغل فى ثواني لحظاتي و منمنمات يومي ليبدر ارتعاشاته بدلاً من ارتعاشاتي و ينفلت داخلي بثورته فيصنع ثورتي وفضولي و طموحي و ثباتي و دهشتي من هنا كانت غربتي .
 أتعجب كيف يتطاول فكري و قراري و عزمي عليه هذا العشيق الهمام الذي مزج قدرته فى انفعالاتي وقوتي و لم أدرك قبل البعاد أن البحر بهذا الحضور الداخلي حتى فى مشاعري وعمري و إحساساتي و تساؤلي و إجاباتي كيف تجرأت و عزمت على الرحيل عنك أيها البحر العفي والسخي الجميل .
 أين قواربي و مراكبي السابحة فى أفلاكك كنت أملأها بأحلامي حتى تسافر بين أمواج و تعود لي بالحقائق والتحقيق و البصيرة . أيها البحر الرفيق الصديق أستنشق نجاحي من المدى و اتساع الفكر و الرؤية أتحلى بملحك الممزوج بعسل اللحظات . يا قدري ما هذه الكيمياء التي بيننا فى دمي أنت تسبح فى شراييني و سنيني .
آه يا غربتي تركت البحر حبيبي إلى النهر نصيبي . حائرة أنا بينهما و حيرتي تلوعني وتدمدم فى قلبي هكذا تقودني محطات العمر بين وداع و لقاء تشاغلني لهفتي و حنيني .
 أنا الآن هنا فى القاهرة الساحرة الآسرة و الأبراج شامخة عالية فوق حدود النخل بل تصافح السحاب . فنونها راقية مطرزة بفكر هندسي موسوعي و مثقف بعمارة و فنون و علم و متون عالية الجودة تبهر الناظرين .
 تحتوي على كم من نظريات الجمال فى التطور و الرؤية والأبعاد و الإرادة و العلم و العمل .
 و لكنها خالية تماماً من رائحة اليود و نسمات البحر التي تغازل الروح و القلب و الجوارح و تعلن الحضور فى ثواني اليوم بالنوارس و الطيور التي تصافح الموج و الصخور . و أين ساعات الغروب وروعتها و أداؤها ووداعها . عندما تقبل الشمس حبيبها البحر و تبدر أشعتها و ألوان طيوفها على صدره ليحتويها و يخبئ دفئها فى صندوقه السحري إلى الغد حيث الشروق حتى تعود فى نفس المواعيد و التوقيت بدقة الثواني ,
 سبحان الله . تذهب لتنير بضوئها و نهارها بلاد أخرى و بحر آخر يستقبلها بحفاوة التجديد و ننتظرها على أمل اللقاء ويوم جديد .
و أنا أحلم أيضا˝  بلقائي معك  أملي فى ألا تهجرني يا شعري فبفضلك عشقت القلم والكتابة .
 لي معهما صولات و جولات و سفر فى بطون الكلمات أنت النفس والروح و الطاعات و المدونات و حلاوة و شغف الساعات يا وجه القمر يا شعري لا تهجرني فاليأس يحاوطني ويقاومني و يطاردني . و أنا أحاول أن أخرجه من نطاق سيادتي و قيادتي 0 تدويلي الإيجابي لذاتي 0 اتفاقياتي 0 تراثي 0 تأثيرى واهتماماتي 0 تحويلي 0 تكويني 0 إن مدلولاته ليست حريصة ولا صافية يريد أن ينال من مبدئي وحماسي 0 يخصني بالامتلاك المباح يعافر عمري 0 ضوئي 0 يعاركني يتجول فى أفراحي و زمني .
أرجوك لا تهجرني يا شعري و تكن أحلامي المؤجلة .فأنا بدونك كائن صغير . إنسانيتي غرقت فى الأدخنة و بهيم الليل و جرعات التعايش و الأمكنة
صفير القطارات فى أذني وداع و فراق و دموع و مشاعر مهملة. أنا بلا جيوش ولا أسلحة .
يتراقص الأسفلت تحت قدمي يبحث عن مدينة حيث لا سكن و استكانة .أنا بدونك يا قيمتي يتيمة . و أسرة بلا عائلة ولا تاريخ ولا شهادة ميلاد .غرفتي بلا أبواب ولا أسرار ولا شهادة ولا ذاكرة يا حبيبي يا أنا .
 الآن ليس هنا . و هناك ضاعت الإشراقة من صدر الحنين والعيون و الأوردة .
 أنا هرم فى فضاء لا نهائي المطاف بناؤه  لم يكتمل و صفاء روحي غارقة فى ضباب . أبحث عنك صديقي لتنير أكواني وتهدهدني بمفردات حانية . ممكنة . آمنة . و سامرة و ليست ساخرة .
يا شعري كل الأصوات صوت واحد هو صوت القصيدة . أغني معه بأيدولوجية التفاؤل حيث أغادر الحزن إليك و أغني مع فيروز ( أعطني الناي و غني ) أرجوك لا تهجرني أرسل إليك شفتي بالقبلات لكل قواميسك و حروفك الأبجدية وتفعيلاتك و توريتك و خليلك وعروضك و نحوك .
 حبيبي سأصنع لك فنجان النسكافيه مزركشاً برسم الأمنيات والطيور و الأشجار و أستشعرك سكر المذاق و الحياة و العسل يا نشوتي أنا ابنة البحر و الموهبة . و شوشاتي تنهيدة صبية والشموع عشقت الدموع .
 صوتي معك و بك يتوغل فى صدري و صمتي فيؤنسني يا أنيس القلب و الروح يا أجراس الانبعاثات بالأمل و الحياة والنجاة و غناء العصافير و الكناريا يا سيدي هاجر إليَّ وليس مني .
 يا صديق كفاح مشوار السنين . كم عشقت من أجلك القراءة و الكتابة على سطور العمر  ألونها بأشعاري و أزينها بحروفى لتكون جنتي .
 سيدي أيها الفرح و الوطن أشتاق لحريتي معك و يقيني حين تكتمل القصيدة . لا تهجرني وتتركني لصحراء الواقع بين حيرة الزمان و المكان و الأفكار و الصراعات والمشاحنات والمسئوليات و الماديات .
 الحياة بدونك مثل عيون الغرباء وعشوائيات المفاهيم . أبحث دائما عنك و عن اتصالي معك و مساحة العمق الفكري . عن قبس النور فى أسفار العقل . الروح بلا روح . و الوعي لا يعيد اكتشاف الذات . تعشقني المشاهدة دون المشاركة . أختزل الكلمات فى ذاكرة مغلقة مفاتيحها أنت تعلمها .
 امنحني هذا المفتاح السحري حتى أجد نفسي و أستعيد دهشتي و قدرتي و طفولتي و سعادتي المفتقدة و شبابي . الأيام باردة جداً واحدة .
 الأربعة فصول (الربيع - الصيف - الخريف - الشتاء) تم عقدهم فى قالب واحد وثلج لا يذوب رغم أغسطس يعترف أنه قادم و لكن دون استشعار و لا جدوى و لا من يلمح صراخ الفقد و مأدبة الفراغ . إن دوائر معارفى فارغة من الألفاظ والمعاني و الشرائع و القوانين و الترجمات و الاقتباسات ونباهة الأفكار .
 عجائب الدنيا تدخل مساحاتي و ممتلكاتي و لا تسمح بهمزات الوصل استكبرت كل السبل بيننا . وتفاقمت المسافات و يا لها من سهام الفراق تصوبها فى أ لم يتحمس ليخبطني فى صغائر الأمور .  إن شجري أنذرني برحيل الثمار و جفاف و توقف سريان الأنهار فأنت المطر يا شعري الحبيب أعتذر عن سلبياتي و عدم اهتمامي بتفاصيل احتياجاتك وما يرضيك . أتوب عن انشغالي بمسئولياتي أعلم أنك تعاقبني يا جميل الأوصاف فلا تقسوا و كفاك النيل مني فلا أحتمل جفاء اللحظات الجوفاء بدونك فلا تهجرني .
ياسيدى هاجر داخلى ففى نفسى متسع منى إليك .كم عشقت من أجلك صفحات الكتب والأخبار والصحف والمجلات والتراث والتاريخ وجغرافيا الأماكن والدراسة المستفيضة والتنقيب عما يفيد . اقترابى منك وفهمك وترجمة مشاعرى  ووجهات نظرى .أفكارى وتجارب الآخرين وتجاربى ومعارفى على أبواب قصائدك حتى تصنعنى سطورا˝ وصفحات ودواوين وتجعل لى متلقين متفاعلين مع ما أكتب وأسطر من إبداعات وأشعار ومقالات .
أنت الكل فى واحد فقط .أيها الحبيب لاتهجرنى يا انتصارى وجمالى .حريتى ونفوذى ومملكتى و افتخارى وصفائى ونقائى.منقذى من ليل السوادوشرورالبشر وذئاب الألم . ياأنفاسى وأسرار هروبى وحروبى ودروبى وصوابى وعذابى وكروبى إليك ومنك فرارى من كل صور القبح والظلم البشرى. يا انفجار صراخى على عتبات القصيدة والحقيقة .
وغوغائياتها وكسلها وسرسبتها فى عشوائيات الحياة . تسألنى عنك موائد الحكى وجلسات الاحتواء فاحتوينى كما كنت وصادقنى ياحنينى وأنينى أرتوى منك يقينى .
لاأثق بغيرك على أسرارى ودواخل أمورى فلاتهجرنى سأمنحك أيامى القادمة نخرج سوياً إلى الشاطىء  مثلما كنا نفعل فى الماضى نتأمل الغروب بنادى المهندسين بالإسكندرية ونستوعب جمال الكون وسحر الطبيعة جمال السحب لوحات تشكيلية ماأروعها سبحان الله نرددها سوياً وننعم بفضل الله . يدور بنا الحكى وقراءة ما لدينا من صحف وكتب .نأكل أرزاً باللبن والآيس كريم بالمكسرات أو البيتزا بفواكه البحر ونشرب بعدها فنجاناً من الشاى أو النسكافية يلهمنا التركيز .
أونذهب الى المنتزة نجلس فى التراس بفندق فلسطين أتذكر ياحبيبى وسلوتى ومناى كانت تستضيفنى القناة الخامسة بالتليفزيون فى حديقة الفندق فى رمضان الماضى ودار الحوار عن رمضان فى عيون الشعراء وبدأت بقصيدة عن رمضان ثم الإسكندرية وصفق لى الحاضرون وسجلتها ابنتى  وزوجى على شريط الفيديو بالمنزل وأيضا˝ لقاءات القناة الثقافية والفضائية المصرية وبرنامج زينة بالقناة الثانية وتسجيلات اللقاءات بالإذاعة وبرنامج مع الأدباء الشبان بالبرنامج العام للإذاعية القديرة الصديقة هدى العجيمى . وإذاعة الإسكندرية أيضا˝لا أنسى فضلها وتسجيلاتها المتعددة معى منذ البداية 1985 كلما شاهدت هذا اللقاء ولقاءات أخرى تم تسجيلها تنتابنى سعادة غامرة ولكننى أتابعها بعين الناقد حتى يتسنى لى أن أكون أفضل من الماضى وأستفيد من أخطائى .
 ياحبيبى ياشعرى لاتهجرنى لأنك فراشات المشاعر. ياخيالاتى الممتدة والممهدة بين أسطورة الصباح تناجى أسرار الزمن والأمان .ياعطرى الذى أفتقده وأعشقه ياآفاقى الجديدة وصياغتى الواضحة لمفاهيمى و إحساساتى وحواراتى . أيها الرمز والدلالات والصور الإيحائية يا دارى وجارى وصورة الحياة المتحضرة الراقية المثمرة المزدهرة يا اخضرار الأرض بعد بوارها .
أعدك بأننا سنذهب مثلما كنا بالأمس نتناول طعام الغداء فى مطعم عروس البحر ومالذ وطاب من الأسماك والحساء بسمك الوقار أو مطعم أبوشعرة حيث الكباب والكفتة ورائحة الشواء مع الأرز المعمر ونجلس فى نفس المكان المطل على مسجد المرسى أبو العباس ونستمتع بعد ذلك  بزيارة مسجد المرسى أبوالعباس والشيخ ياقوت العرش ونصلى وننقى قلوبنا بالروحانيات وذكر رسول الله عليه الصلاة والسلام . ونقرأ ماتيسر من القرآن الكريم والأدعية حتى يبارك الله الحياة.
ثم نخرج الى الكورنيش ببحرى حيث مراكب الصيد وشباك الصيادين وغنائهم وغنائمهم داخل الشبكة من أسماك تقفز وتعلو وتهبط لتجد المفر من الشباك . فكرة أخرى خطرت ببالى لأستقطبك وتسعد معى بالساعات سأغنى لك جميع الأغنيات السكندرية (ياغزال إسكندرانى) (إسكندرية ماريا وترابها زعفران ) و سنذهب إلي مكتبة الإسكندرية لننهل من المعارف و التاريخ و نشارك فى الأمسيات و الحوارات والمناظرات . و بعدها إلي شاطئ سان ستيفانو حيث السحر والجمال و بعد ذلك نعود لنصلي صلاة العشاء فى مسجد سيدي جابر بنفحاته الروحانية الذي يبعد قليلاً عن منزلي بشارع بورسعيد بسيدي جابر .

فلا تهجرني ...