أنا .. و هو .. و
الإسكندرية ..
مسافات السفر تداعب نافذة القطار و تصاحبني على الخيال . ودفء الشمس يلوح
لي بالشعاع و البراءة الأصيلة .
تستخدمني البهجة و تمتد إلى عيوني و ملامحي .
أبتعد عن ساقية الحياة و تحولني اللحظة إلى استيعاب حفل صاخب . زغاريد ودفوف
مزامير تطلقها عجلات صوت القطار . و أنا قلب طائر يحوي دهشتي ويجوب العالم والبلاد
يبحث عن ضحكتي و قاموس وطني بأنشودة اللقاء .
سلسلة من روائع و إدراكات مغايرة تلتهم انتمائي
وتصالحني على الفرح . بسيمفونية الطبيعة و خيول أحلامي . يختارني شريط السرد
الذاتي .
ولمحات من طوابق الذكريات تقتحم اللحظة و تعلن حضورها لمؤسسة الحكي وصور
تتسارع قبل بعضها لتحتضن الحالة الشعورية و الموقف بين السرد الرمزي والتركيبات
الدلالية و صياغة التصور الذهني بين المشهد و الآخر و التواريخ فى معبر الزمن . كل
هذا يتصارع حول مقعد القطار و النافذة الزجاجية التي تجري و تصطاد الحياة
لتستعرضها فيلما˝سينمائيا˝ من كونيات طبيعة أشجار و أنهار . سماء . سحب . عصافير .
حقول . أغنام . نفايات . بحار . مقابر . أسلاك . إعلانات . بشر . حوارات تتشكل
بجميع الأدوات الطبيعية و اللونية و الأسلوبية المختلفة . تفتح بحمد الله آفاق
الأبعاد و وجهات النظر وعلاقة الإنسان بالزمان و المكان .
مشاهد مجازية تمتد خارج الأنا . فالأنا و المشهد توحدهم الصورة الكلية
المنفصلة حيناً والمتصلة حيناً . حتى تصنع دائرة بعالم من الفرجة و الترحال .
بالأحلام و الوعود على قارعة الصمت و الصبر
تتزاوج الاندهاشة مع اللحظة ليكون الفيلم من إخراج و أداء الطبيعة و شاشة العرض هو
زجاج نافذة القطار و السفر بالوقت وانسجام الحكي بين الطبيعة 0
و شموخ النخيل و أناشيد العشق هذا الإطار الرحب الممتد من الساعات و شوارع
الحقول و أبراج الحمام و أسراب الطيور و قطرات المطر . إلى دروب السلامة و لون
الواقع بطوفان المشاغل و حصار المسئولية و أطماع الحياة ونفوذها سيف لامع على رقاب
البشر .
معادل موضوعي بمقاطع زاخرة تشكل عالمك بمنعطفات
مختلفة تعبر مواسم العمر متعددة القوالب والأيدلوجيات و تحركنا الأيام و تمنحنا و
تأخذ منا فمن سفر إلى سفر ومن أشخاص إلى آخرين و من نهار إلى ليل و من ليل إلى
نهار .
و أنت فى خضم الصعوبات و البحث عن الذات و الاجتهاد و الصبر و العمل تحملك
أمواج و ثقافات ومعارف ومعلومات و مبادئ و عادات و تقاليد و قيم و سلوكيات فإما أن
تنفتح على ثقافة الوعي . و تنهل من قواميسها و إما أن يصاحبك اللاوعي و الوقوف
محلك سر . قضايا متعددة لك و الدور الرئيسي فى تشكيل موضوع ذاتك ومشوار حياتك أكون
أو لا أكون .لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس . تُعلَّمنا حكم ومعانٍ و لكن الاجتهاد
هو الفيصل فى تقويم الذات و الوصول إلى الهدف و الحلم المنشود بالفتح المبين .
على عتبات الذكرى تنساب صور صحوة من الماضي وكانت بمثابة طلقات البداية فى
معترك الحياة و الصراع بين ثقافات المجتمع و ثقافة الفرد .
العادات و التقاليد و قوالب الاستسلام رغم ثقافة الفرد وسعة أفقه و لكن
ثقافة المجتمع فى الماضي كانت تفرض نفسها على الأسرة المصرية و تسوقها إلى بوتقة
الصراع هكذا أخذتني الذكريات إلى الماضي قبل امتحان آخر العام للمرحلة
الإعدادية كانت بداية اختلاف وجهات النظر
مع أبي .
حيث اقتربت السنة الدراسية على الانتهاء و أنا
أحاول جاهدة أن أذاكر حتى أحصل على مجموع كبير يشرف أمي أمام أبي و يؤهلني للمرحلة
الثانوية و يحقق أملي أن ألتحق بالقسم الأدبي وأدخل كلية الآداب قسم صحافة أو لغة
عربية .
و أصول بفكري بين الواقع و الطموح ورحلتي مع
الحياة والكتابة و الإبداع و تفاعلي و تفعيلي مع المجتمع والنهوض بذاتي حتى أثبت
لأبى أن ( البنت مثل الولد ) وأسعد أمي و أجفف دموع حسرتها على عدم إنجاب ذكور لكي
ترضي أبي و تلمح سعادته و رضاه و حتى لاتبكي من عذاباتها و ذاتها المقصرة .
فكانت المفاجأة عندما حضر عمي إبراهيم من المملكة العربية السعودية حيث كان
يعمل بها منذ عدة سنوات ومعه شاب مصري يشاركه الغربة و يقاسمه و يصادقه الحياة . و
كان يقرأ خطاباتي التي أرسلها له و خواطري وأحلامي و طموحاتي و آرائي فيما أقرأ من
الكتب وصحف من مكتبة أبي العريقة .
فكان زميل عمي هذا يقرأ معه خطاباتي بحكم
الصداقة وبينهم مؤانسة الغربة وعلى حد قول عمي إنه انسان بمعنى الكلمة و رجل يستحق
صداقته و بالطبع كان عمي معه صور لي و للعائلة . فكون صديقه هذا شخصيتي فى مخيلته
و اقترح على عمي أن يرتبط بي و يعرض على والدي الأمر فى أول زيارة للإسكندرية .
و بالفعل عندما زارنا عمي عرض الموضوع على والدي
وصورة العريس الصديق وإمكانياته المادية الجيدة و كذا وكذا . على أن أذهب معه بعد
الزواج إلى المملكة العربية السعودية و سينتظرني حتى أستكمل الإعدادية فقط لأنه
متعجل الزواج .
و قد عرض والدي على والدتي رحمها الله هذا الموضوع . رفضت بشدة لأنها تتمنى
أن يتم البنات الثلاثة دراستهم أولا ثم الزواج بعد ذلك اختلف والدي ووالدتي و كانت مشكلة كبيرة
تدخل فيها جدي و جدتي التي ساندت أمي رأيها . أما جدي فكان يشارك أبي رأيه مع عمتي
الكبرى والصغرى و عمى .
و احتد الأمر مما أدي إلي إصابة أمي الغالية بعد
هذا الموقف بمرض السكر ثم الضغط ثم قصور فى الشريان التاجي بالقلب من دفاعها
الدائم و المستمر عن الثلاث بنات و تعليمهم فى الجامعة .
مأساة و توالت الأمراض و المشاكل بين الزواج المبكر للبنات و أصدر أبي
قراراً لتهدئة الموقف بعد فترة من البكاء
والعويل من البنات و أمي و جدتي و التفاهم حيناً والاختلاف أحياناً .فكان القرار
الصارم من والدي بعد كل ذلك , أن البنات لا يكملن التعليم الجامعي و يكتفين
بالثانوية العامة فقط ثم الزواج .
و بالفعل حدث ذلك حتي الثانوية ثم تزوجن و أكملت أنا و أخواتي من بعدي الدراسة
و أنجبن 3 بنات . و على الرغم من ثقافة والدي العالية وذكائه الحاد و هو أيضا
رياضي وحاصل على العديد من الميداليات فى المصارعة و هو صاحب الفضل فى تكوين فكري
و منهجي الثقافى من خلال المكتبة المتنوعة التى يمتلكها و الحوارات التي كنت
أختلقها معه على مقال أو كتاب حتى أقترب منه رويداً رويداً من فكره و ثقافته و
تذوب معها تفضيل الولد عن البنت لأنني أحبه وأحترمه .
و كنا نشارك أبي جميعاً الطقوس الصباحية يستيقظ
مبكرا" حتى أيام الإجازات و نتناول طعام الإفطار و قبل ذلك نصلي و بعد الصلاة
رياضة الصباح لمدة ربع ساعة فأكثر لأن و الدي دا ئم القول بأن العقل السليم فى
الجسم السليم .
و كان أبي رحمه الله يعشق القراءة و المشي و يذهب إلى عمله سيرا˝ على
الأقدام من محرم بك إلى الجمرك حيث عمله فى شركة المستودعات المصرية و بعد العمل
أيضا يعود بنفس الطريقة و من الممكن أن يذهب إلى حلقة السمك فى بحري لأنه من عشاق
الأسماك و الجمبري والكابوريا و بلح البحر و السبيط و أم الخلول ولأن أمي كانت طاهية ماهرة و أيضا˝
لديها من المهارات الفائقة العديد و العديد فى صنع الحلوى و الفطائر و الحلبة
المعقودة و المخللات و أيضاً الأشغال اليدوية من تطريز وغزل التريكو و صنع البلوفرات
و الكوفيات و البونيهات .
و علمتنا بعضاً من مهاراتها و لكنها كانت حريصة على أن نعمل بعد حصولنا على
الثانوية و فعلاً طلبت من أبي ذلك و بعد جدال و نقاش . عرض أبي علي ابنة عمته
الأمر حيث كان فى زيارة لعمته المريضة و بعد ملاحقة أمي لها فى التليفون و زيارتها
و توددها لتتوسط لي للعمل معها حيث كانت مديرة إدارة البحوث بشركة التأمين الأهلية
و بالفعل تم تعييني بالشركة التي تعمل بها
إلى وقتنا هذا و تزوجت زميلي بالشركة و لكن فكرة وحلم التعليم الجامعي كان يراودني
دائماً و أبداًحتى حققته و تقدمت للجامعة المفتوحة كلية الإعلام جامعة القاهرة و
حصلت على بكالوريوس الإعلام و حققت إنجازات أخرى و أصدرت ( 10 ) دواوين شعر و
مسرحية للأطفال و حصلت على عضوية اتحاد كتاب مصر .
و عضوية مجلس الإدارة لهيئة الفنون و الآداب و
العلوم الاجتماعية و عضو مجلس إدارة قصر ثقافة الأنفوشي ومارست العمل الصحفي فى
العديد من المجلات والصحف و حصلت على العديد من الميداليات و الشهادات التقديرية
آخرهم درع التميز من هيئة الفنون و الآداب وشهادة تقديرمن الهيئة العامة لقصور
الثقافة و حضرت و شاركت فى المؤتمر السنوي بجامعة سنجور عن البلاد الفرانكفونية بالإسكندرية
و الحمد لله , و شاركت أيضاً وسجلت فى العديد من البرامج الإذاعية و التليفزيون
والقنوات الفضائية و حاولت جاهدة أن أحقق معادلة النجاح و الحفاظ علي منزلي و
اتزانه أيضاً وعلي نجاح وتفوق أولادي حيث تخرجت ابنتي من كلية الهندسة جامعة
الإسكندرية و ابني حصل علي ليسانس الحقوق من جامعة الإسكندرية. وزوجي أصبح مديراً لإدارة الحاسب
الآلي بالشركة .