أمى وجدتى ...
أمي .. و جدتي .. وأنا بين قاب قوسين قمر و شمس , سيمفونية حب مزجت كينونتي
و طفولتي .. كانتا سوناتا تسمع لحنها بين أوركيسترا القوة و الحكمة والأنوثة والحنان
و الوعي منظومة مغربية تركية .. جدتي جذورها مغربية من الدار البيضاء و بعض آخر من
عائلتها فى مكناس و جدي من تركيا جذوره العائلية من إسطنبول وأزمير و مصر .
التأثير المكون السلوكي و الديني و القيم الأخلاقية رفيعة المستوى و أيضاً
إدارة شئون الحياة الأسرية و الاجتماعية مدرسة فائقة الجودة فى علمها و طباعها
وتقاليدها وعلاقتها بالآخر . انتقلت عائلتيهما . إلى الإسكندرية من زمن صنعها
تزاوج بين العائلتين بحكم الجيرة و التعارف وأصبحا عائلات و أهل .
جدتي كان والدها شيخاً له مريدوه و تلاميذه و
أسرته متدينة تعشق القرآن و الذكر و التسبيح و الصلاة على النبي ( صلى الله عليه و
سلم ) أسرة تعلوها و تزينها السكينة و الهدوء و الإيمان القوي بالله مفرج الكروب ,
ومهما كانت الشدة وحجمها و كثافتها ( فإن مع العسر يسراً ) ..
أمي و جدتي كانتا تصدران لنا جميع المهارات و
كيفية إتقان الصبر و الاحتمال و التفاني فى رعاية الأسرة والزوج والأبناء ..
هما كونشيرتوا همس القلوب لهما عبق خاص . وتر صوتهما موشحات أندلسية ..
ذكاؤهما متقد و يقظ , أحادي الاتجاه و
الصبر يغزل أصواف الحكمة و الصدق والرقة و القرارات الحاسمة الصائبة قوة لا تعرف
إلا الحق هارمونيات اللحن الشجي اليومي على بيانو الحياة يا روعة الحنان و العطاء
, كالنيل فى خيراته و البحر فى قدرته . هما نموذج من السهل الممتنع ,
جدتي الرائعة البارعة العطوفة السخية الدافئة
كشعاع الشمس كانت تفخر دائما بالناجحين من عائلتها وإخوتها و إبن خالتها (( قائد
أسراب )) حسن إبراهيم من رجال مجلس قيادة الثورة يوليو 1952 و عين نائباً لرئيس
الجمهورية .
وأما أخيها ( خليل المصري ) المؤرخ الموسيقي
متعدد المواهب و الفنون , تنسم حرية التعبير و النغمة الصادقة من الإسكندرية . كان
شاعراً باحثاً و ملحناً من الطراز النادر و عازفا˝ و جامعا˝ للتراث و صاحب المدرسة
القومية الوطنية هو من جيل الرواد ممن أتاحوا الطريق و أضاءوا الشموع للفن الراقي
الأصيل .
كان خليل المصري يعقد الندوات و الأمسيات فى منزله بمحرم بك , له صالونه
الأدبي و الفني يجتمع فيه كبار الشعراء و مطربو القاهرة والإسكندرية و منهم على
سبيل المثال لا الحصر ( محمد حمودة , مصطفى جنيد , محمد عفيفي , حسين جنيد , طاهر
أبو فاشا , صالح جودت , كارم محمود , محمد التهامي , الموسيقار على إسماعيل ,
الشاعر محمود العتريس , الشاعر الكبير عبد العليم القباني , المطربة مفيدة أحمد ,و
سعيد المصري و غيرهم .
" و من تلاميذ خليل المصري ,
المطرب محمد عطية والملحن محمد أبو سمارة و المطرب محمد الصغير والشاعر محمد مكيوي
و الفنان حسن أنيس , كان انتقال خليل المصري للقاهرة بسبب تشجيع صديقه الفنان
القدير محمد فوزي الذي حضر العديد من ندوات خليل المصري و خصوصاً فى ليلة غناء
سيدة الشرق أم كلثوم الشهرية و التي كانت تحظي باستماع جماعي و بحث ودراسة من
ناحية اللحن و الأداء الرائع .
تكونت صداقة فنية و إنسانية بين خليل المصري و محمد فوزي الفنان القدير ..
وانتقل بالفعل للقاهرة هو و أخوه سعيد المصري ..
الذي كان أول من أدخل فن الفرانكو آراب فى مصر
مع محمد فوزي أغنيات ( فطومة – علي بابا – مصطفى يا مصطفى ) و كتب العديد من
الأغنيات لكبار المطربين والمطربات من ألحان خليل المصري و ملحنين آخرين , وأيضا˝
كان يعمل سعيد المصري بشركة صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات , و كان مهندس الصوت و
مدير الإنتاج الفني بها ,و هو أيضا˝ مهندس الصوت المصاحب لكوكب الشرق أم كلثوم و
آخر ما كتب أغنية من غناء الفنان محمد ثروت ( محتار أنا بين إسكندرية والقاهرة ) .
أما الفنان الملحن خليل المصري المتعدد المواهب له ثلاثة كتب بعنوان (
ليالي المصري ) , ( أغاني المصري ) , ( أزجال المصري ) رصد من خلالها الملحنين
والشعراء فى هذا العصر أيضاً وله أشعار و ألحان بالنوتة الموسيقية .
و قد أطلق اسم خليل المصري على أحد أهم شوارع
الإسكندرية تخليداً لذكراه ( بحي مصطفى كامل برِشدي بالإسكندرية )
و من الأغاني التي قام بتلحينها خليل المصري لثورة يوليو و التي رصدت فى
موقع الرئيس جمال عبد الناصر على الإنترنت :
1. أغنية بأدينا بنينا و عدينا ( للمطرب عبد اللطيف التلباني , كلمات
السيد زيادة ) .
2. المصرية ( المطرب إبراهيم حمودة , كلمات مصطفى عبد الرحمن ).
3. عشنا و شوفنا ( المطرب إبراهيم حمودة , كلمات مصطفى عبد الرحمن ) .
4. فى أعياد القنال ( المطرب مصطفى كمال حسين , كلماته أيضا ) . و غيرها
من تراث الأغاني .
و لحن أيضا لعبد الحليم حافظ الفنان القدير أغنية (الكون جميل حواليك ) و
أغنية ( بيني و بين قلبي حكاية ملهاش فى العمر نهاية ) غناء عبد الحليم , من كلمات
محمد على أحمد و ألحان خليل المصري . و هو أيضاً اكتشف الشاعر الكبير السكندري (
محمد مكيوى ) الذي نشر قصيدة ( يا بخت من حج و زار طه ) فى إحدى الصحف و أعجب بها
الفنان خليل المصري و لحنها و دار يسأل و ينقب عن الشاعر حتى التقى به و دعاه
لحضور أمسيته الشهرية و قدمه للحاضرين و قد أذيعت الأغنية عام 1950 فى إذاعة
القاهرة ركن الأغاني الشعبية .
ولد الفنان خليل المصري بمدينة الإسكندرية عام 1911 فى 8 يونية و توفى و
دفن بها فى يناير عام 1975 و هو من حي محرم بك , ثم انتقل للقاهرة بحي العجوزة
شارع النيل , حصل على دبلوم الثقافة عام 1940 و تعلم أصول الفن بالمعاهد الموسيقية
المختلفة , حصل منها على عدة دبلومات موسيقية و لحن فى بداية حياته الفنية العديد
من الإسكتشات و الأوبريتات الغنائية لمختلف الفرق الاستعراضية و شركات الاسطوانات
و خليل المصري هو (أول من ابتدع مقام نغمة جديدة ) باسم ( أشواق ) و إيقاع 4 من 4
– و 3 على 4 ,
و ابتدع أيضاً رتم السامبا فى الخمسينات .. و هو
أول من قدم أغنية (فى صورة إعلان توعية ) اسمها بشويش الناس نايمين , مدتها دقيقة
و نصف الدقيقة , غناء المطربة سعاد مكاوي , من أشهر ألحانه أغنية (( الدنيا بهجة
)) كلمات أحمد السمرة و غناء زوجته المطربة عائشة حسن التي أنجبت منه ابنته آمال .
و من ألحانه أيضا أغنية (( عديني يا معداوي )) للشاعر أحمد السمرة و أغنية
(( كتير اتخاصمنا )) كلمات أخيه الشاعر سعيد المصري , غناء عباس البليدي و أغنية
((على الرملة )) كلمات سعيد المصري , غناء محمد قنديل و أيضا˝ غنى له كارم محمود و
العديد من المطربين والمطربات .
و قد جمع خليل المصري و سجل تراث جميع أغنيات أم كلثوم و عبد الوهاب
ومجاراتها من نصوص سيد درويش وداود حسني و كامل الخلعي .
و قد كان من محبي فن سيد درويش و من أشد
المعجبين به و هو من مؤسسي جمعية سيد درويش و كذلك من مؤسسي جمعية المؤلفين و
الملحنين ناشري الموسيقى , كما كان أول من ساهموا فى صدور قرار حماية حق المؤلف
رقم 354 لسنة 1954 ,
كان نائباً لرئيس جمعية المؤلفين و الملحنين و
ناشري الموسيقى, و عضوا" فنيا" لمعهد الموسيقى العربية و أمينا"
لصندوق جمعية أصدقاء موسيقى سيد درويش مع صديقه الحميم محمد فوزي , و أنشأ
أيضا" ناديا" خاصا" للمؤلفين و الملحنين بشارع عرابي بالقاهرة ,
و قد اختارته شركة أوديون لتسجيل الأسطوانات والبرامج الإذاعية ليكون
مديرها الفني , و سافر إلى مختلف البلاد العربية للتعاقد على البرامج و الأغاني و
قد خصص فى سنواته الأخيرة ماله و وقته لجمع تراث الموسيقى الشرقية , و قد أنشأ
شركة أسطوانات ألف ليلة و ليلة و أهدى عائلة سيد درويش 400لحن تسجيل لأوبريتات
نادرة .