لا تهجرني يا شعري
فأنا أعدك يا حبيبي بأني لن أصدر علي ورقتك البيضاء همومي و شجوني . بل سأتعاقد
مع الهمسات و كلمات الغزل . أستدعي رقتي و رقرقة المشاعر التي تلمس الوجدان و
سأغني لمناخ إحساسي ليعود الطوفان و تصبح لغة الواقع متناهية الصغر يا شعري يا
قضيتي و قبضتي الفولاذية . تعارفى . تحليقي فى ثقافة حوارك ووسائلك المتعددة التي
هي فردوسي و شعبي و علاقتي بالذات والآخر . يا حريتي .عدلي . صدقي . تسامحي . وفائي . تفاهمي و بقائي . يا
عشقي و جليسي . أليفي . و نيسي . مذهبي .
حمامتي التي تعبر بالرسائل علي أجنحة الشعر أطير معها و أعبر المحيطات و
الأنهار و المسافات و البلاد واللغات . الموروثات و المعتقدات . متيمة بغرامك يا
مليك خاطري ووحي روحي . طاعتي ترابط
اتحادي لتكويني المعرفى . هيبتي ووقاري . ندرتي . نزهة اشتياق لروضتي المتفردة فى
نشوتها السكرانة بالشعر و استحسان امتزاج النفس و توافقها معك يا حبيبي الأملس
المشرق بالربيع وابتسامات لحبنا العذري نتفاعل مع أنفاس البنفسج علي وجنات تتسع
للقبل بمصاحبة عزف النغمات التي تستنشق سعادة اللحظة بمقامها البهيج
لا تهجرني يا شعري يا مزيج السحر فى زمن الجفاف ارويني بك و معك لكي تشرق
شمس الأمان و تخصني بالفوز بك فتحيينا العصافير و تنشد الطبيعة علي أجنحة النوارس
المشاكلة و المتفقة مثلنا تتجانس المودة
ويرقص الاحتضان علي أكتاف الشجر و نضارة الشباب والحياة . أيها الحبيب الذي يجمعني
و يجعلني أتجرد من طبائع الأرض الكونية التي تغمرني بالحجب فأنت تهيئ نفسي للتجاوز
و الرقي و الترفع فأكتنف فى صدر اتصالك و أمتزج بتأملاتي لأصنع الحروف بنبضات
القلب و أئتلف و لا أختلف .
لا تهجرني يا شعري يا سر تدفق أنهار كتاباتي و لغتي فتنفتح نوافذ قبولي
لأسجل تاريخي سطراً سطراً حلماً عمراً فى رابطة العشق الأبدي السرمدي . يا إدراكي
المكتسب بالتأمل و النظر فى الأدلة التي تنقلني إلي المعلوم و الإيجابي الثابت
بقانون الفكر و التداعي .
لا تهجرني يا شعري يا حارس قصري و دندنة فضائي يا صفقتي الرابحة و قوائم
استثماري و صناديق ودائعي وأموالي يا خزائني المعرفية و نافورة مياهي التي أغتسل
فيها من قبح الملل و اللاوعي و اعتداءات الفراغ فتتوهج شعلتي و تسعد بنوافذ الإبداع
عبر أروقة الغيم .
آه يا دمعتي الحانية و ضجيج غناء القلب . يا مدينة ثقافتي رفقاً بي لا لا
تهجرني لتلعثمي و صراخ الأكاذيب فى الآمال الضائعة . إنه الفزع يتراقص علي صوت
طبول الضحكات الساخرة المسحورة بشرور الشماتة تنسكب من شياطين الأرض علي صفحتي
البيضاء المشبعة بالطيبة والصدق و الحب و الرومانسية و الجهد و الاجتهاد و العلم و
العمل و المصالحة و السلمية . لاتهجرني فالنوم يفارقه الاستغراق و الأحلام بانسجام
يا شعري يا لقبي الذي يرافقني و يآخي اسمي و يعنونه و يسبقه و يشرفني بقبوله
لإيمان كتاباتي و أشعاري و إبداعي .
يا مهرجان احتفاليتي . نهضتي . تنويري . تراثي . أيتها الثورة التي أنقذتني
بسياساتها و منهجها و أحزابها من استعمار مشاغلي و من حولي . هم يريدون مني الأنا
تحت أناتهم فيسحقونني و يستعمروا ثرواتي و ممتلكاتي وأفكار خواطري . ذكائي . عقلي
. فلسفتي . لأن دواعي أنانيتهم تدعوهم لذلك فيحسبون صمتي قبولاً. ورضوخاً
للضعف و لا يدركون قوتي المكنونة فى هدوئي
و حدائق قلبي وأيدولوجيتي العنيدة لتخطيط حمايتي و تأميني لذاتي منهم و ثبات نجاحي
بإيماني بأن يقيني بالله يقيني . الحمد لله الذي جعل لي حماية و إلا فلا حياة لي
إلا بهم فيدمروا و ما الدمار إلا لهم و لعقولهم المتحجرة المحدودة المتأخرة .
لا تهجرني يا بهجة القلب و العقل يا ملكوتي . أعوذك فى شدتي لتهدهدني . يا
أسفاري بفوائدها السبع . يا شعري يا وطني الذي يمنحني كل حقوقي ولا يجعلني أستشعر
الفقد مع الفقر و القسوة و الحرمان و الغربة . وطن يهديني رفاهية الثراء و ثراء
التواجد الراقي بالفكر الواعي الإيجابي و الصبر القادر علي الاحتمال رغم مرارة
الفجوات . وطن يمنحني قصراً فى جنته بأشجاره المثمرة و ينابيع و خيرات . يقص عليَّ
حكاية ألف ليلة وليلة المدهشة . أكتشف العالم السحري فى خلجات الحلم والاستعراض
التراثي الملتهب بالخيالات و حكايا شهرزاد ويكون الشعر هو شهرياري تأخذني المساحات
و المسافات الأسطورية نسبح عبر قرون
التاريخ لحكي شهرزاد التي تقاوم السيف بالكلمات و تروض شهريار بالكلمات و
تراهن علي الحياة بسحرو تأثير الكلمات لتجعلها جسر تواصل مع شهريار . تشوقه و ترمح
به فى عذوبة للقادم بحثاً عن السر و الدهشة و المتعة و التحديث كل يوم غير ما سبق
.
انتظار يتبعه انتظار تتابع التداعيات الخيالية و تنهمك فى حبكة التحويل
المرئي و المسموع تستحضر فانتازيا البانوراما و المدخلات و التأليف الدرامي اللحظي
الفوري لحواديت مبهرة من إخراج و مونتاج و مكساج و دوبلاج وسيناريو و ماكياج و
تصوير و عرض شهرزاد . و عندما تحول هذا إلي دراما فى عصرنا بوسائل الاتصال
المسموعة و المرئية الحديثة كم أمتعتنا فى مساحات نلهث فيها بتكوين و اتحاد الرؤية
الخيالية و الحلم و دوائر الخبايا الأسطورية نكون إبداعاً شخصياً يرتب فى طفولتنا
التكوين و التشويق و مناخ السفر بالفكر فى قوالب الخيال و عالم الحلم و الاستمتاع
. مع ألف ليلة و ليلة قصة كل ليلة احكي يا شهرزاد قولي لشهريار و بصوت تقديم
الفنانة القديرة زوزو نبيل التي جعلتنا مع اللحن نتجول و نطير و نسبح بصوتها فى
سراديب الماضي البعيد البعيد اللاواقعي . عالم صنعته الأساطير و التراث . عالم غير
هذه العوالم تشريعاته تجارب لفظية فى الكلام والأداء و النص و الصوت المعبر المنغم
الذي يترجم هذا الحكي لفعل فترفرف معه و تلهو بمعتقداته . يعلو ويهبط بمراجيح
أفكارك و خيالاتك ليمنحك المتعة والسفر و التحليق معه فيه . و أنت جالس فى مكانك
علي الكرسي فى زمن آخر و كأن هذا الكرسي هو الذي يرفعك لطائرة تجوب لسندباد و
شهرزاد لتكون إبداعك و تهذب فنية تصوراتك و تجعلك تكتشف مواهبك . كل هذا بمتابعة
الوسائل المرئية و المسموعة و التطور التقدمي الحديث فى عرض روعة الآداء و الإتقان
و التفاني فى نقل و ترجمة الفكرة المقروءة و نقلها من الانقرائية إلي المشاهدة و
نقلها فى انخراط بوتقة الحكي العامر بالخبايا و الأسحار . إنه عالم عرفناه فى
الطفولة كنا ننتظره فى رمضان الكريم لكي يسافر بنا و فينا فيشكل حكايا جدتي و أمي
بعناوين شهرزاد و شهريار و السياف . مَنَحونَا هؤلاء جميعاً مساحات من الوعي
بالخيال و الفنون التشكيلية والإبداعات المختلفة لتكوين أنفسنا لاختراع عالمنا
وأحلامنا و مواهبنا الذاتية هكذا تصنع الكلمات الحب من كلمة و مشاعر و أحاسيس و
الكراهية أيضا تصنعها كلمات والحروب تقام من كلمات و السلام و المصالحة كلمات .
كلمات صنعت تاريخ و ترجمات و قوانين و صداقات وفلسفات و تشريعات و حياة فقبل أن
تتكلم تعلم . حتي تنعم بحلو الكلمات و فوائدها و اجعلها جسر تواصل مع الآخر لكي
تصنع عالماً جميلاً بذكاء الكلمات . هكذا تعلمت منك أيها الشعر .
فلا تهجرني